:بسم الله الرحمن الرحيم،وبعد
لا شك أن الصحيح الجامع للإمام البخاري-ت256هـ- لقي قبولا لدى علماء الأمة الأسلامية واعتبروه أصح كتاب بعد كتاب الله،وذلك لما التزمه الإمام من شروط الصحة في صحيحه،إضافة إلى الخمسة المعروفة-إتصال السند،الضبط،العدالة،عدم الشذوذ،وعدم العلة-فوجد العلماء بعد استقراء الجامع الصحيح أنه الزم نفسه بشرطين إضافيين وهما:اللّقاء والمعاصرة،وهذا ما يجعله أعلى درجة من صحيح مسلم الذي اشترط المعاصرة فقط إضافة إلى الشروط الخمسة..لكن نجد علماء آخرين من أهل المغرب مثلا يفضلون صحيح مسلم على صحيح البخاري وذلك أن البخاري فيه إشارات لفقهه هو،إذ يقال أن:''فقه البخاري في تراجمه'' وهكذا قد يكون فيه ما يخالف مذهب أهل البلد..ثم أن مسلم فاق البخاري في حسن الصناعة
تشاجر قوم في البخاري ومسلم ... لدي وقالوا: أي ذين تقدمُ؟
فقلت: لقد فاق البخاري صحةً ... كما فاق في حسن الصناعة مسلمُ
وكان الإمام مسلم-ت261هـ- رحمه الله يتحرى الألفاظ،بينما كان البخاري يروي بالمعنى،وقد قال يوما:''رب حديث سمعته بالبصره كتبته بالشام ورب حديث سمعته بالشام كتبته بمصر'' ..
والسؤال الآن : هل أثرت الرواية بالمعنى في أحاديث الصحيح ؟
كان قد سئل الحافظ السيد عبد الله بن الصديق الغماري فقال :
''في ''صحيح البخاري''أحاديث ضعيفة لا من جهة السند،بل من جهة المعنى،لكنها ليست بكثيرة.''
وأذكر منها حديث جمع الجنين في بطن أمه، الذي روي في الصحيحين بألفاظ مختلفة، ففي رواية البخاري عن ابن مسعود رضي الله عنه :((حدثنا رسول الله وهو الصادق المصدوق ـ قال: إن أحدكم يجمع خلقه في بطن أمه أربعين يوماً ثم يكون علقة مثل ذلك ثم يكون مضغة مثل ذلك، ثم يبعث الله ملكاً يؤمر بأربع كلمات ويقال له: اكتب عمله ورزقه، وشقي أو سعيد، ثم ينفخ فيه الروح)) فيكون المعنى أن أطوار الجنين مدتها 120 يوما ..وهذا يتعارض تماما مع علم الأجنة الحديث.
أما في رواية مسلم بسنده عن عبد الله ابن مسعود قال:((: حدثنا رسول الله وهو الصادق المصدوق قال : (إن أحدكم ليجمع خلقه في بطن أمه أربعين يوما ،ثم يكون في ذلك علقة مثل ذلك، ثم يكون في ذلك مضغة مثل ذلك، ثم يرسل الملك فينفخ فيه الروح. ويؤمر بأربع كلمات: بكتب رزقه وأجله وعمله وشقي أو سعيد))..فنجد أن حديث الإمام مسلم في جمع الخلق والذي رواه نفس الراوي لحديث الإمام البخاري قد أزال هذا الإشكال وزاد عبارة صححت المفهوم وتوافقت مع ما يشاهد الآن في أطوار الجنين على وجه اليقين.
سامي فسيح
لا يوجد تعليقات
أضف تعليق